بعد جماعة النواصر، عامل الإقليم جلال بنحيون يعقد لقاء مع منتخبي جماعة اولاد صالح .
[ad_1]
1-
حظي كتاب “La médiocratie Alain Deneaut” (2015) وصدر بطبعة عربية أنجزها د. مشاعل عبد العزيز الهاجري (2020) بعنوان “نظام التفاهة” باهتمام الباحثين والدارسين في مجال السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة باعتباره عملا نقديا وفكريا يتناول ظاهرة انتشار التفاهة وهيمنتها على مختلف مجالات الحياة في مجتمعنا المعاصر. يبرز الفيلسوف الكندي ألان دونو كيف يتم تكريس الرداءة على حساب الجودة والابتكار. لذلك تعكس دراسته قلقًا فلسفيًا يخصّ تدهور القيم في المجتمع، حين تسلط الضوء على كيفية التطبيع مع التفاهة لتصبح القاعدة السائدة في عصرنا؛ ولا يكتفي ألان دونو بتشخيص هذه الظاهرة فحسب، بل يتعمّق في تحليل أسبابها، وآثارها، والدوافع التي تُسهم في استدامتها وتكريسها باعتبارها واقعا يوميا.
كيف أصبحت التفاهة نظاما شاملا يُسيْطر على مُختلف مناحي الحياة؟
ليست التفاهة سُلوكا فرديا، بل نظاما جماعيا قدّر له أن يتأسس ليُعْليَ من شأن الرداءة ويقصي الجودة. في هذا السياق، يظهر أن المجتمع بات يُكافئ الامتثال للمعايير المتوسطة والمقبولة على حساب الإبداع والتفوّق. إذ أصبح السعي وراء التوافق مع هذا “النظام التافه” الهدف الأساس للعديد من الأفراد والمؤسسات، مما عزز استدامته وانتشاره.
نعلمُ أنَّ “الميديوقراطية Médiocratie ” مُشتقة من الكلمة اللاتينية “Mediocris” واليونانية “Kratos” وتعني السلطة، وهي مفهوم لنظام حُكْم يمارسه المُتَوسِّطون؛ وهو بذلك يتعارض مع الأرستقراطية “Aristocratie”، أي حكومة النبالة والنبلاء، والكاكوقراطية “cacocratie”، أي حكومة الأسوأ.
الوسطيون، إذن، هم الذين يتجاهلون الأصالة ويشككون في النظم الاجتماعية والسياسية والثقافية للمجتمع، والذين يقيدون حرية النقد ويركزون على الدفاع عن مواقف وسطية غالبًا ما تكون غير مجدية. بناءً على ذلك، يرى ألان دونو أن الوسطية تتحول إلى نظام تُهيمن فيه الحلول الوسطى، ويصبح التوجه نحو التوسط معيارًا حتميًا وسهل القبول.
2-
يبيّن ألان دونو كيف أُعيد تشكيل النظام الاقتصادي ليتماشى مع هذا النمط من التفكير. وتحت هيمنة رأس المال، أصبح الربح السريع والمكاسب الفورية يتفوقان على أهمية الجودة. من هنا، يتم ترويج المنتجات والخدمات التي تدعم السطحية وتحث على الاستهلاك المفرط، مما يساهم في ترسيخ مجتمع استهلاكي يغرق في التفاهة على مستويات عدة.
من الناحية السياسية، يناقش دونو كيف تسربت التفاهة إلى الأنظمة السياسية الحديثة، إذ لم يعد يتم اختيار الشخصيات السياسية بناءً على كفاءتها أو قدرتها على القيادة، بل بناءً على قدرتها على التكيف مع نظام التفاهة الذي يستبعد كل ما هو استثنائي. وفقا لألان دونو، السياسي التافه هو من يتقن اللعب وفقا لقواعد هذا النظام، ويتجنب المواقف الجذرية التي قد تؤدي إلى التغيير. ونتيجة لذلك، يتحول العمل السياسي إلى أداة للحفاظ على الوضع الراهن بدلا من أن يكون وسيلة لتحقيق التقدم.
ولم تبتعد الثقافة عن تأثير هذا النظام، فقد أدت هيمنة التفاهة إلى تسطيح الفنون والآداب والإعلام. بدلا من أن تكون الثقافة مجالا يدعم التفكير النقدي والإبداع، أصبحت ساحة لتقديس التفاهة وإنتاج محتوى يركز على الإثارة الفورية والسطحية، متجاهلةً النقاشات الفكرية العميقة.
ورغم الصورة القاتمة التي يرسمها ألان دونو، فإن كتابه يتضمن دعوة صريحة لتبني أفكار جديرة بالاعتبار، حيث يشدد على أهمية إعادة إحياء قيم الجودة والإبداع، وتأسيس وعي نقدي قادر على مقاومة محاولات التدجين.
3-
تعني سيطرة التوسط وتفضيل التوافق على التميز في نظام التفاهة، أنّ الابتكار أو الخروج عن المألوف قد يُقابَل بالريبة، إذ يفضل هذا النظام الاستقرار والاعتياد.
كما تؤدي هيمنة التوسط إلى إضعاف الكفاءة والجودة، حيث يتغذى المجتمع بأسره على نمط وقيم الاستهلاك السريع، ويكتفي فقط بالنتائج “المقبولة”.
سيطرة التوسط هي -في نهاية المطاف- تجسيد للانسجام مع الرداءة، حيث ينشأ نظام ثقافي يكرس القيم المتدنية ويحدّ من كل طموح مشروع، مما يسفر عن تهميش التميز وتقييد الابتكار.
هل التفاهة حالة اجتماعية؟
نعم؛ هي كذلك.
لأنها تتعلق بالتوجهات العامة والسلوكيات التي تنتشر في مجتمع معين؛ تظهر التفاهة عندما يصبح التركيز على الأمور السطحية على حساب القيم الأعمق والمضامين الفكرية والثقافية.
تَنتجُ هذه الظاهرة -في تقديري- عن عدة عوامل أبرزها: الاستهلاك المفرط للثقافة الشعبية، تدهور الأنظمة التعليمية، وانخفاض مستويات الحوار الفكري والثقافي في المجتمع.
بانتشار التفاهة في المجتمع يتمّ تشويه المعايير والقيم التي تحكم السلوك الاجتماعي، مما يجعلها مقبولة أو حتى محبذة في بعض الأحيان. وبمرور الوقت، يمكن أن تصبح هذه الحالة الاجتماعية معيارًا عامًا يؤثر على كيفية تقييم الأفراد للأفكار والأفعال، مما يعزز من هيمنة التفاهة على الأنشطة اليومية والحياة الثقافية.
ليست التفاهة -باعتبارها حالة اجتماعية- ظاهرة منعزلة، بل قد تكون انعكاسًا لأزمات أعمق في المجتمع مثل الفقر الثقافي أو التفاوت الاجتماعي أو حتى الأزمات الاقتصادية والسياسية التي تدفع المرء إلى التركيز على الممارسات البسيطة والسطحية هربًا من تعقيدات الحياة.
لنتأمل؛ وإلى حديث آخر.
[ad_2]